تهنئة .. بعد الرحيل
بقلم الدكتور .. عبدالرحمن بن علي الغامدي
عادة ما تكون التبريكات والتهاني والغبطة, في حياة الناس, وليست بعد رحيلهم عن دنيا الفناء.
إلا أن ما عنيته هنا الاشارة الى فعال حسنة ومقامات شامخة وصلت ببعض من رحل عنا ولم ترحل ذكراهم الطيبة, ولذلك فإنني أهنئهم حتى بعد الرحيل, تهنئة مكللة بالدعاء ومزيد من التقدير والامتنان, ذلك لأنهم قد تركوا من خلفهم آثاراَ لا يمكن لرياح النسيان أن تمحوها مهما كانت تلك الريح عاتية.
أهنئهم وهم لا يسمعون ما أقول كي تكون تهنئة صادقة صافية عارية من التزلف والنفاق.
أهنئ ذلك الشيخ الكبير الذي كان طوال حياته يقضي بين الخصوم ويصلح ذات البين بما آتاه الله من الحكمة وفضل الخطاب ومن سداد الرأي, ثم ذهب إلى ربه وترك خلفه تلك البيوت التي كادت تتصدع حدرانها لولا عون الله وتوفيقه ثم جهود ذلك الكبير الذي كان يبذل من وقته وجهده وماله الشيء الكثير, كي تستقر أوضاع تلك الأسر أو ردم الفجوات التي كانت بين الأخوة بالذات.
أهنئ ذلك المحسن الكبير الذي بذل من ماله العطاء الوافر لأولئك الفئات المحرومين سواء الأيتام أو أصحاب الحاجات المختلفة, فكان يسد خللهم وخلتهم بما أفاء الله تبارك وتعالى عليه من الخير الكبير.
أهنئ فاعل الخير الكبير في مقامه ومعناه, حين أوقف تلك المساكن لأصحاب الحاجات وقام على تأمين طلباتهم كي يعيشوا بكرامة وعزة نفس, ثم أنتقل بعد ذلك إلى الدار الآخرة وكانت تسبقها دعوات أولئك الملتاعين على فراقه ممن كان له في حياتهم التأثير الايجابي الكبير.
أهنئ ذلك المعلم الذي نذر حياته في تعليم الناس الخير حتى نال شرف صلاة المولى جل وعلا عليه, وبالذات أساتذتنا القدامىالذين سجلوا في داووين الانجاز أسمى درجات التفوق بما بذلوه من اجتهاد منقطع النظير لأداء رسالة التعليم والقيام بها خير قيام, فتخرج من تحت ايديهم الطيار والمهندس والطبيب والمعلم والدكتور وكثير ممن حققوا التميز في أعمالهم, ليكون بعد تلك الجهود مطمئناً في برزخه بحول الله.
أهنئ ذلك الرجل الذي جعل من بيته وقفاً للحاضر والباد, مرتعاً يعودونه كل ما أرادوا دون تذمر أو تبرم من صاحبه, يجدون في أورقة تلك الدار ابتسامات الرضا والقبول بكرة وعشياً وحين يظهرون.
يأكلون في تلك الدار ويشربون, وينامون ويرحلون.
أهنئ أرباب تلك البيوت بمح الله تعالى لهم في كتاب يُتلى الى يوم القيامة ” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا”
أهنئهم بذكر الناس لهم بطيب الذكر وموفور الثناء.
أهنئ ذلك المسؤول أياً كان, حين ترجل الى الدار الآخرة, تاركاً خلفه جموع من المحتاجين قد قضى الله حوائجهم على يديه, ولا زالت ألسنتهم تلهج بالدعاء له آناء الليل وأطراف النهار.
اهنئ ذلك الرجل الذي بذل جهوده في الليل والنهار لتحفيظ أبنائه القرآن الكريم فأصبح القوم يحرصون عليهم ليكونوا لهم أئمة لهم في الصلوات, وبالذات في صلاة التراويح.
أهنئ تلك الزوجة الصالحة التي كانت تقف خلف كل إنجازات بعلمها وبما أحدثته كذلك من تربية عظيمة لأبنائهم بما تملكه من أساليب تربوة وصبر جميل على المشاق في سبيل تهيئة الظروف لهم جميعاً وتقديم كل ما تستطيع لخدمتهم, حتى أصبح يشار لزوجها بالبنان في مناح شتى في حياتهم, ثم رحلت بكل هدوء, تاركاَ ارثاً عظيماً وكنزاً لن ينضب من الذكرى الحسنة.
وبالذات ممن ذقن مرارة الحرمان وقلة ذات اليد, فصبرت وصابرت ورابطت.
اهنئ في مرقده ذلك الجار الذي عمل بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم, فغدا لجاره أفضل من أخوته جميعاً حين لم يصدر منه إلا كل ما تهنأ به حياة جاره من الاحترام والتقدير وحجب البوائق عنه والصبر وبذل الجهد في ردم كل خلافات تحدث بين الابناء.
وأخيراً أهنئ كل من استرعاهم ولي الأمر للقيام بأداء أي مسؤولية كانت فكانوا لها مخلصين وعلى أمانتها قائمين وللأهتمام بها ملازمين, حتى كانت تلك الأعمال شاهدة لهم أمام الأعين حين استفاد الناس مما قدموا من خدمات جليلة في مصارف التنمية المستدامة.
أهنئ جميع من ذكرت بدعاء الناس – كل الناس – لهم وارجوا الله أن يضاعف لهم الحسنات أجر ما قدموا من أعمال مباركة جليلة.
تم تحريره في مكة المكرمة
الأحد 1-6-1444هـ
25-12-2022م